دائماً ما يقال "في الليلة الظلماء يفتقد البدر" ولإن كتاب "الأهلي في زمن جوزيه" يقدم ايام جميله مرت على عشاق القلعة الحمراء وستظل دائماً ذكرى رائعة في أذهان الجميع يقدم لكم El-Ahly.com خلال الفترة المقبله فصول من كتاب الدكتور "علاء صادق" الذي خلد فيه تلك الحقبة من الزمان والتي شهدت ازهى عصور القلعة الحمراء والتي نتمنى ان تستمر وتتوالى الانتصارات ليظل دائماً الاهلي حاصد البطولات رقم واحد في القارة السمراء.. وسوف تكون الحلقات بمثابة شهادة من اشخاص تعاملوا مع الساحر البرتغالي مانويل جوزيه عن قرب تحت عنوان "جوزيه الذي نعرفه" ونتوجه بالشكر الى الدتور علاء صادق الذي منحنا موافقته الكريمه على نشر بعض فصول من كتابه الذي سيظل مرجعاً تاريخياً لفترة من أزهى عصور القلعة الحمراء.
"قبل وبعد جوزيه"
سيد عبد الحفيظ لاعب الفريق السابق
التدريب فى مصر يمر بمرحلتين منذ دخول اللعبة الى مصر فى مطلع القرن العشرين . المرحلة الاولى حتى عام 2001 .. وهى ما قبل جوزيه .. والمرحلة الثانية التى بدأت في 2001 وهى ما بعد جوزيه واستمرت حتى اليوم .هو المدرب الافضل فى تاريخ الكرة المصرية .. تمتع بشخصية جذابة و مثير للجدل وكاريزما فريدة من نوعها مع حنكة وحكمة وذكاء وكبرياء وتواضع وثقة ومبادئ وقيم .
افضل ما منحني من دروس هو المواجهة مع اى فرد وفى اى وقت دون خوف أو حساب.. ولا يتراجع ابدا عن مبادئه واذكر انه قال لنا فى اجتماعه الاول معنا ( من يريد تنفيذ افكارى فى الملعب سيرافقنى حتى النهاية .. ومن يلعب لنفسه سيجلس فى النهاية وحيدا مع نفسه خارج الفريق .. والفرصة متاحة لكل منكم للابداع ولكن فى اطار الخطة والالتزام ).. ولم ينحنى يوما امام لاعب مهما كانت كفاءته ..
واذكر حواره مع خالد بيبو بعد مباراة الزمالك الشهيرة واهدافه الاربعة عندما طالبه بالضغط على نفسه لاستعادة مستواه الذى اهله لاحراز 7 اهداف بمفرده فى مباراتين فقط ضد صن داونز الجنوب افريقى والزمالك ..وقال له ( انت لاعب موهوب جدا وامكاناتك هائلة ولعلك من احسن الاعبين فى مصر .. ولكن لن تلعب الا اذا كنت خالد بيبو نجم مباراتى الزمالك و صن داونز .. وغير ذلك ستكون صديقا لمقاعد الاحتياطى ) .
بداية حديثى عن مانويل جوزيه ستكون عن الجانب الانسانى وهو الاروع والاعظم فى شخصيته .. الجانب الذى لم يره الكثيرون ولا تعرفه الاغلبية من الجماهير المصرية .
جوزيه هو اول مدرب او اى شخص فى تاريخ الرياضة المصرية يرفض تقاضى اى مبلغ من مصروف الجيب من النادى الاهلى فى رحلاتنا الخارجية .. وكان يتبرع بمصروفه الكبير لعمال النادى . وهو مرهف الحس ورقيق الطباع الى حد كبير ايضا .. ولا ترتبط تصرفاته تجاه اللاعبين باهميتهم للفريق بين اساسى واحتياطى .. وكنت بعيدا عن الفريق الذى يعيش افضل حالاته فى عام 2005 مما دفعنى لابلاغه برغبتى فى الاعتزال .. وجاءت كلماته درسا فى وقته قائلا ( انت من اللاعبين القلائل الذين احببتهم واحترمتهم كثيرا فى مشوارى كمدرب .. والسبب انك صاحب شخصية منفردة سواء فى الاداء فى الملعب أو خارجه .. لم يغير التألق منك لتسير مغرورا فى الهواء .. ولم تنافق مدربك عندما اهتز مستواك .. وحسنا انك قررت الاعتزال عندما احسست انك غير قادر على العطاء الكامل بعد اصاباتك المتوالية .. وانك لم تفكر فى الذهاب لاندية اخرى للعب معها على حساب رصيدك وتاريخك فى الاهلى .. وفى النهاية سعادتى كبيرة انك من اللاعبين الذين اثرت عليهم وتأثرت بهم ) .. وقبل ايام من اعتزالى رزقنى الله بمولودى الاول يوسف واضطررت للغياب عن المران الصباحى للبقاء طوال الليل بجوار زوجتى فى المستشفى .. وفوجئت به فى السابعة والنصف صباحا وقبل موعد المران امامى فى المستشفى حاملا فى يده كيس صغير .. وفتحه واخرج منه بلوفر صغير جدا من الصوف باللونين الابيض و الاسود وقال ( مبروك .. ابلغنى اللاعبون امس انك رزقت بابنك الاول .. وعندما ابلغت زوجتى اللى تحبك بالخبر السار قررت ان تسهر طوال الليل لاعداد هذا البلوفر من الصوف لتكون ذكرى طيبة لنا معك ) .. واهدانى البلوفر فى لمسه انسانية لها مفعول السحر .. وكانت اول هدية لابنى يوسف .. ولا ازال محتفظا بها .
وفى المؤتمر الصحفى الذى عقدته لاعلان اعتزالى كان جوزيه اول الحاضرين وتحدث امام الجميع لاعلاء شانى بطريقة رائعة .التقيته للمرة الاولى فى صيف 2001 عند قدومه لتدريب الاهلى وكنت غائبا عن الملاعب لفترة طويلة للاصابة فى الرباط الصليبى .. وكان حريصا على متابعة خطوات تأهيلى التى طالت الى ثلاثة شهور وعشرين يوما بلا اى مباراة .. وعندما شاركت فى اول مران جماعى بالفريق تحدث معى بسعادة عقب التدريب ومشيدا امام اللاعبين بجرأتى رغم اننى خارج من اصابة ثقيلة .. وهو الامر الذى اعطاه ثقة فى شخصيتى وطلب منى الاستعداد للاشتراك لعشر دقائق فقط فى المباراة التالية للاهلى فى القاهرة ضد الترجى التونسى فى ذهاب نصف نهائى دورى الابطال .. وطلب منى التفرغ للهجوم فى ملعبنا وعدم العودة ابدا للدفاع عند نزولى وعدم الالتحام او الدخول فى كرات مشتركة عنيفة .. وان احرص على التسليم والتمرير بهدوء ودقة مع زيادة عدة لمساتى للكرة لاكتساب حساسيتها .. وادركت بصراحة وبرؤية بعيدة انه لا يحتاجنى فى لقاء القاهرة رغم اهميته ويريد فقط اعطائى الثقة امام جمهورنا الكبير فى اللقاء الاول .. ولكن الحاجة الحقيقية ستكون فى تونس فى مباراة الاياب لايقاف خطورة الجناح الايسر البرازيلى كلايتون اخطر لاعبى الترجى .. وابلغنى باشراكى كظهير ايمن من البداية لان زميلى الصاعد ابو المجد مصطفى لا يقوى على ضغوط الجماهير التونسية الضخمة .. وذهبنا الى تونس بعد ان فشلنا فى الفوز فى القاهرة وتعادلنا سلبيا وتهيأت تماما للمباراة الثانية حتى اقتربت المحاضرة الرئيسية فى الليلة السابقة للمباراة .. وطلبنى فى غرفته وابلغنى انه فكر مليا فى الامر وتراجع عن فكرة اشراكى من البداية ظهيرا لمراقبة كلايتون لعدة اسباب .. منها اننى غير مكتمل اللياقة ولن يمكننى اكمالها بنفس القوة .. وان استنفاد طاقتى فى الجانب الدفاعى سيؤثر سلبا على استفادة الفريق من امكاناتى الهجومية وفقدان عنصر اساسى مهم ..وستتأجل مشاركتى إلى الشوط الثانى حينما يكون الفريقان متعادلين أو الترجى متقدم بفارق هدف وانه ينتظر منى طفرة فى الاداء عند نزولى .. وبالفعل تأخرنا بهدف فى الشوط الاول ودفع بى بين الشوطين ولم يقل لى سوى كلمتين ( وجاء دورك ) .. ووفقنى الله واحرزت هدف التعادل وتأهلنا للنهائى .
وعلى الصعيد الفنى كان لجوزيه البصمة الاولى و الكبرى فى تغيير مسار الكرة المصرية فى مبارياتها خارج الحدود على صعيد المنتخب او الاندية .. وكانت الفرق المصرية تلعب فى الخارج بطريقة واحدة للتعادل او تفادى الخسارة بفارق كبير على أمل التعويض فى مصر .. ويفرح اللاعبون و المدربون و الجماهير وتنهال المكافات على الجميع عند تحقيق النتيجة المرجوة حتى ولو كانت الهزيمة ..ومن مباراته الاولى معنا فى البطولة الافريقية لعب مغامرا وفزنا فى انجولا على بيترو اتليتكو القوى 3-1 . وتصادف ان لعبنا فى البطولة التالية مع فريق كينى متواضع فى نيروبى اولا وتعادلنا سلبيا وخرجنا من الملعب سعداء .. وسألنا مندهشا عن سر سعادتنا وامتعض عندما عرف اننا راضون عن التعادل واكد لنا ان السعادة كانت ستظل على الفريق الكينى لو خسر امامنا بخمسة اهداف فقط .. وتغيرت افكارنا تماما بعد ذلك اللقاء .. وحقق الاهلى مع جوزيه افضل النتائج خارج ملعبه طوال البطولات الافريقية .. وهو ما يعكس فوزنا بأربع كئوس لدورى الابطال فى عصره .
ويمتلك جوزيه اسلوبا فريدا فى الضغط فنيا ونفسيا على منافسيه .. وعلى الصعيد الفنى كنت طرفا فى كثير من المباريات التى تمكن من تحويل نتيجتها لمصلحتنا بتغييراته الايجابية المدهشة .. واذكر اننا بدأنا موسمنا 2001-2002 بطريقة متواضعة وخسرنا من غزل السويس والزمالك فى الدور الاول وتأخرنا الى المركز الثالث فى الترتيب خلف الزمالك والاسماعيلى .. وبعد حصولنا على بطولة افريقيا رجعنا الى مسابقة الدورى ولدينا 11 مباراة مؤجلة ولا بديل عن الفوز فيها جميعا قبل مواجهة الزمالك ثم الاسماعيلى فى اربعة ايام متتالية .. وانطلقت العجلة بسرعة وحالفنا التوفيق وتوالت الانتصارات حتى بلغت تسعة وبقيت لنا مباراتي الاتحاد فى الاسكندرية وجولدى فى القاهرة .. ورغم بدايتنا الممتازة امام الاتحاد وتقدمنا بهدف فى وجود حشد جماهيرى هائل مؤيد للاتحاد .. وتأثر الحكم رضا البلتاجى بالجمهور و احتسب ضدنا ركلتى جزاء متتاليتين وانقذ الحضرى الاولى واهتزت شباكنا فى الثانية وتعادلنا قبل عشرين دقيقة من النهاية .. وهنا ظهرت عظمة جوزيه فى الضغط على المنافس القانع بالتعادل و اجرى ثلاثة تغييرات وتحول فريقنا الى مجموعة من سبعة مهاجمين هم علاء ابراهيم والانجوليان افيلينو وجيلبرتو والسيراليونى تشيرنو ووليد صلاح الدين ورضا شحاتة وسيد عبد الحفيظ .. ومعنا ثلاثة فقط للوسط والدفاع .. واصبحت المباراة اقرب الى الامواج الهادرة من الهجمات لنا حتى احرزنا الفوز بصعوبة ولكن بجدارة .. وسألته عن سر التحول الى الهجوم الهادر دون اى توازن دفاعى اكد لى انه لا يفعل ذلك الا بحساب وفى ربع الساعة الاخيرة من المباراة .. وعندما يتأكد ان الفريق المنافس انكمش وتراجع للدفاع واقتنع بالتعادل وترك الهجوم واعتقد ان المباراة انتهت عمليا .. والفرق المصرية لا تعرف مواجهة الضغط العنيف وتتفكك خطوطها ولا تفيق مرة اخرى الا بعد دخول هدف فى شباكها .. وفى تلك اللحظات تكون المباراة قد اوشكت على النهاية وحققت هدفى من الضغط .. وطبق نفس الطريقة امام الاسماعيلى بعد اسابيع فى ربع الساعة الاخيرة بعد تأخرنا فى القاهرة 3-2 وبالفعل تحولت النتيجة الى 4-3 للاهلى قبل ان يتعادل الاسماعيلى فى الوقت بدل الضائع .
وعلى الصعيد النفسى يضغط جوزيه على منافسه باشراك اللاعب الموفق باستمرار فى المباريات السابقة امام نفس النادى .. وكان حريصا على تهيئة ابو تريكة ومتعب لمباراة الزمالك لمباراة الزمالك واشراكى امام الترسانة .